الكلمة الرئيسية لمؤتمر رايتس كون 2011 سافر علاء إلى كاليفورنيا لإلقاء كلمة رئيسية في مؤتمر رايتس كون في وادي السيليكون ، وألقى علاء هذا الخطاب باللغة الإنجليزية. وأثناء وجوده هناك علم علاء أنه قد تم استدعاؤه من طرف النيابة العسكرية. يمكنكم أيضاً قراءة نص الكلمة التي ألقاها علاء باللغة الانجليزية وكذلك قراءة الرسالة التي كتبها علاء إلى رايتس كون سنة 2017 من .خلف قضبان سجن طرة نص الكلمة: مساء الخير. إسمحوا لي آخذ 30 ثانية خارج الموضوع وأتكلم عن “العدالة الاستثنائية”، الحاجة اللي سأواجهها قريباً في شكل “النيابة العسكرية”. واضح ان “العدالة الاستثنائية” لا تلتزم بالإجراءات القانونية، ومن الظلم أن يخضع لها المدنيون. أنا باطلب منكم انكم تتتضامنوا مع أي شخص يواجه العدالة الاستثنائية، وأنتم لكم نصيبكم منها في هذه البلاد في محتجزي جوانتانامو. إذا كنتم حقيقي مهتمين بـ”حقوق الإنسان” فأنتم على دراية بموضوع العدالة الاستثنائية وبأهميتها. في مصر الآن هناك ما يقرب من ١٢ ألف مدني محتجز في سجون عسكرية. بعضهم بسبب المشاركة في ثورة زعم الجيش أنه حماها وانحاز لها، وبعضهم بسبب تجاوزات بسيطة جداً. أغلبهم اعتقل خلال أحداث كبرى كانت القوات المسلحة – وليس المدنيين – هم من ارتكبوا الجرائم فيها. عموما، أطلب منكم أن تجدوا طرقاً للتضامن مع أي شخص يواجه العدالة الاستثنائية. أشكركم. (تصفيق) الآن نعود إلى موضوعنا. أعتقد أنني حضرت هنا بصفتي ناشطاً، بصفتي جندي مشاة في ثورة، لأتحدث عن كيف تستطيع شركات التكنولوجيا أن تحافظ على “حقوق إنسان” مستخدميها، وأن تعزز هذه الحقوق وتحميها وتحترمها. أشك جداً أن هذا ممكن أن يحدث، فليس من المرجح أن تهتم الشركات بهذه الحقوق – والسبب ليس لأن هناك تضارب حقيقي في المصالح. أعتقد أننا كلنا هنا لأننا نعرف أننا نستطيع أن نقوم بعملنا دون المساس بحقوق الناس، ودون السماح بمرور أدوات تستعمل للتعدي على حقوق الناس. لكن هيكل العلاقات بين أصحاب المال/القوة والسلطة يعني أنه حتى والحفاظ على حقوق الناس ممكن، وغير مكلف، ولن يؤثر على هامش الربح، إلا أنه غالباً لن يحدث. (وهو – في بعض الأحيان – يتعارض مع هامش الربح بأشكال عجيبة). ولذلك، فالناشط يرى جوانب مزعجة وإشكاليات محتملة في بعض الملامح/السياسات العادية جداً (في التكنولوجيا): الحدود المفروضة على معدل التغريد في تويتر، مثلاً ، أو سياسة فيسبوك المُلزمة بتسجيل الإسم الحقيقي، وكل ما شابه ذلك، يثير مشاكل عدة. فإن كنت تحاول، مثلاً، تعبئة وحشد الناس بنفس الطريقة التي تحاول بها شركات الإتصالات تحقيق عوائد مالية من كل تعاملاتها، فهذه السياسات تحد مما يمكنك القيام به. لكن هذا هو نموذج العمل الذي تتبعه الشركات، ولا أتوقع أن تغير تويتر أو فيسبوك أو شركات الإتصالات سياسة عملها من أجل خاطر النشطاء. لن يحدث هذا. لكن هناك شيئاً آخر يمكن أن يحدث: الشركات… إذا حاولت أى حكومة أن تسن تشريعاً أو أن تغير في اللوائح بما يؤثر على أرباحها، عندها تتخذ الشركات موقفاً وتُحدِث ضجة وتحاول أن تغير الأمور. ولكن إذا قامت الحكومة بإجراءات مريبة تؤثر على الناس، أى تؤثر على مستخدمي الشركات، فالشركات في الأغلب تلتزم الصمت. سمعنا جميعاً عن “زر الإغلاق التام“ (kill switch) وكيف قطعوا الإنترنت عن مصر بالكامل لعدة أيام خلال انتفاضة الثورة الأولى. حجة شركات الاتصالات – فودافون وغيرها، حجتها الدائمة هي أن هذا هو القانون، وأنها لم تملك أن تفعل شيئاً إزاءه. لكنها كانت تعرف عن هذا القانون منذ سنتين، ولم تقل شيئاً، ولم تُحدِث أي ضجة. كان أمامنا في مصر طرق لمقاومة القوانين الظالمة؛ كان يمكننا أن نشكوها للمحكمة الدستورية، وأن نقوم بحملات ضدها، فربما كان بإمكاننا أن نتخلص من ذلك القانون قبل قيام الثورة – لو اختارت الشركات أن تكشف الأمر. القانون كان شبه سري، لكن الشركات كانت على علم به؛ فقد عقدوا الاجتماعات، ونسقوا مساراً من الإجراءات حتى تتوصل الشركات إلى طريقة لتنفيذ “زر الإغلاق التام“، وقاموا بتجارب فعلية في بعض المدن الصغيرة، وختاروا – اختارت الشركات ألا تعترض: اختارت ألا تعترض في العلن، واختارت ألا تعترض لدى الحكومة. وفي رأيى أن سبب قرار عدم الاعتراض هذا هو أن هناك – بالفعل – مؤامرة. ليست مؤامرة يجتمع فيها الأطراف في غرفة مظلمة ويتفقون علينا، ولكن مؤامرة تتلاقى فيها المصالح، تتلاقى فيها مصالح لا يجب أن تكون موجودة أصلاً. السوق يتسم بالمركزية والاحتكار الشديدين، وهذا الوضع قائم من أجل الحفاظ على الامتيازات التي تتمتع بها هذه الشركات. وفي المقابل تمنح الشركات – بدورها – مساحات حركة للحكومة، وتمكنها من إحكام السيطرة علينا. المؤامرة لا تحدث بناءً على قرارات من أفراد، وإنما تحدث بسبب تلاقي المصالح بهذا الشكل. نفس الشركة، فودافون، التي تزعم أنها عاجزة أمام الحكومة وأنها مجرد شركة مسكينة لا حول لها ولا قوة ولا تملك أن تقاوم الأوامر، هي نفسها القادرة على مقاومة دفع الضرائب في إنجلترا، فنراها تملك، في الواقع، وسائل للضغط على الحكومة. إذاً ها هنا أول ما يمكنكم القيام به (كعامين في قطاع تكنولوجيا المعلومات): يمكنكم التصرف كأي مواطن طبيعي، كأي منظمة تتكون من بشر، وأن تشتبكوا مع الحكومة بالطرق العادية؛ إذا سمعتم عن تخطيط ما، أو تلقيتم أوامر لا تروق لكم، واجههوها، واجهوها عن طريق القانون. لا أتوقع من الشركات أن تصبح كيانات ثورية، لكن بوسعكم أن تفعلوا أشياء. يمكنكم اللجوء للقضاء. يمكنكم المقاومة. يمكنكم الإصرار على الالتزام بالإجراءات القانونية الواجبة. لسنا حتى متأكدين أن فودافون (وأنا هنا طبعاً أستخدم فودافون كمثال، لكن المقصود جميع شركات الاتصالات) قد تلقت أمراً صريحاً. نعم، القانون كان موجوداً بالفعل، لكن اللحظة كانت لحظة فوضى. أغلب الظن أنهم تلقوا مكالمة تليفونية فقط، وبدأوا في التنفيذ، بينما غالباً هناك إجراءات معينة كان يجب أن تُتبع، وأوامر مكتوبة يجب أن تصدر، إلى آخره. كان بوسعهم أن يعطلوا هذه العملية إذا رغبوا. لكنهم اختاروا ألا يفعلوا. هذا شيء سهل يمكنكم القيام به، لكنكم في الأغلب لن تفعلوا، أليس كذلك؟ هذا لن يحدث. لنتحدث بصراحة: ما نحتاج إلى حدوثه هو ثورة. ما نحتاج إلى حدوثه هو تغيير كامل في تنظيم الأمور وترتيبها، بحيث نستمر في صنع هذه المنتجات المذهلة، ونكسب رزقنا، ولكن لا نسعى إلى الاحتكار، ولا نسعى إلى السيطرة على الإنترنت، ولا نحاول التحكم في المستخدمين، ولا نتواطأ مع الحكومات. لا نكون أمازون التي تحجب ويكيليكس، ولا نكون فودافون التي يسعدها أن تتهرب من الضرائب وأن تقطع الاتصالات بين الناس. هناك شيء آخر يمكنكم أن تقوموا به: إذهبوا للاعتصام في مكان ما، احتلوا ذلك المكان. أنتم في الغالب لن تفعلوا هذا لأنه في الغالب لن ينجح. فحركة الاعتصام والاحتلال حركة صغيرة، ولا يبدو أنها ستحقق أي مكاسب. إذاً ما الذي يمكنكم، حقاً، أن تفعلوه؟ ما هو الشيء الواقعي الذي يمكنكم القيام به، والذي بتسق مع طبيعة عملكم وهدفه؟ إجابتي: اصرفوا النظر عن النشطاء، تجاهلوا الثوريين. نحن نواجه الرصاص، ونمثل أمام محاكم عسكرية، فما تفعلونه لن يفرق كثيراً في حالتنا؛ لا فرق إن كان فيسبوك سيكشف معلوماتي أم لا، فأنا مضطر أن أفترض أنني مُراقَب باستمرار، وأن كل ما يخصني مشاع. ليس هذا هو المهم. المهم فعلاً هم المستخدمون العاديون الذين يستعملون منتجاتكم ليحققوا حياتهم/أفعالهم المختارة. عندما تتخذوا أنتم قرار أن تمنعوهم من أن يتخذوا هم قرار استخدام إسم مستعار، فأنتم تحرمونهم من حق محاولة تشكيل/انتقاء هوية طوعية. صحيح أن حق محاولة انتقاء وتكوين الهوية بحرية ليس حقاً منصوصاً عليه في ميثاق حقوق الإنسان، لكنه حق له أهمية أساسية في التمتع بمعظم الحقوق الأخرى وممارستها. النساء يعرفن ما أتحدث عنه، لأنكن مضطرات للتفاوض حول هويتكن وانتقاء ما تظهرون من مكوناتها باستمرار: فأنتِ شخص مُعَيَّن في البيت وشخص آخر في مكان العمل مثلاً، عليكِ دائماً التفاوض حول هويتك، فتظهرين على هيئة “الأم الرؤوم” في سياق، و”المرأة الطموحة الشريرة” في سياق آخر. أما كنت مثلياً، أو من أقلية دينية، أو من الأقليات عموما، فللهوية الطوعية أهمية قصوى؛ فأنا الذي أختار ماذا سأكشف من هويتي، وكيف أكشف عنه؛ أنا الذي أقرر هويتي الظاهرة، بشروطي، وعلى أسس أنتقيها. عندما تصممون منتجات تساعدني على تفعيل اختياراتي، ثم تتدخلون في طريقة تأكيد هويتي، فأنتم بذلك تحرموني من شىء بالغ الأهمية. أنتم بذلك تُشعِرون المراهق، مثلاً، بالتهديد والخطر، لأنكم تمكنون أهله وأقرانه من مواصلة الضغوط عليه بأشكال لا تتاح لهم في العالم المادي. أستطيع أن أختفي عن أعين أمي وأدخن سيجارة، لكن لا يمكنني أن أخفي صفحتي على فيسبوك عنها. فما الذي يحدث هنا؟ كيف أحتفظ بحقي في الاختفاء عن أعين أمي؟ فكروا في حقوق المستخدمين العاديين. فكروا فيها بشكل يتجاوز “الخصوصية” أو “الحكومة سترى هذا”. الموضوع هو: من أنا. الموضوع هو هويتي. الموضوع هو كيف أعبر عن نفسي. الموضوع هو كيف أتواصل مع العالم. وهنا لا أرى أن تحقيق الربح يتعارض مع حقوق مستخدميكم، ولا أن الأمر يهم حكوماتكم كثيراً. بالتأكيد يمكنكم أن تحسنوا أداءكم في هذا المجال. أما النشطاء، فسنجد طريقنا، كما فعلنا دائماً. أشكركم.