|

تونس: حماية المعطيات الشخصية في ظل الإنتخابات مسألة تثير القلق

Read this article in English

حددت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي، تاريخ 15 سبتمبر 2019 موعدا جديدا لإجراء الانتخابات الرئاسية، والتي كان من المفترض أن تجرى في 17 نوفمبر 2019.

يمكن إعتبار نقطة تقديم الإنتخابات إيجابية في الأساس حيث عبر نبيل بفون، رئيس الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات عن “ضرورة احترام أحكام الدستور” الذي ينص على ألا تتجاوز الفترة الانتقالية المؤقتة 90 يوما أي قبل نهاية شهر أكتوبر. لكن تجدر الإشارة إلى أن ظرف التقديم العاجل للإنتخابات يمكن أن يوفر نقاط ضعف في تنفيذها.

فمن جهة، تعد الانتخابات ضرورية لتعزيز استمرار عملية الانتقال الديمقراطي التي تشهده البلاد، ومن جهة أخرى، فإن إجراء الانتخابات في ظل ضعف وقصور بعض الأطر القانونية التي تعزز المساءلة والشفافية، من شأنه التأثير سلباً على نتائج العملية الديمقراطية للانتخابات. ولعّل مسألة حماية المعطيات الشخصيّة والحق في الخصوصية هي من أهم المسائل المتعلقة والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنزاهة الانتخابات ونتائجها. 

منذ جويلية 2017 شرعت وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان بالتعاون مع الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية في إعداد مشروع قانون يتعلق بحماية المعطيات الشخصية ثمة تمت إحالته على مجلس الوزراء الذي هو بدوره صادق عليه ومرره نحو لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية في مجلس نواب الشعب لمناقشته.

كان من المخطط مبدئيًا إقرار مشروع القانون المحدث ليتزامن مع بدء سريان اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي في 25 مايو 2018، لكن تمرير مشروع هذا القانون رغم أهميته لم تكن أولوية وفق برنامج لجنة الحقوق والحريات.

لمحة عامّة عن مسار حماية المعطيات الشخصية في تونس

تعمق في قراءة حماية المعطيات الشخصية في تونس

في ظل سنوات الديكتاتورية قبل ثورة 2011، قام نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي بفرض رقابة مكثّفة على محتوى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي كان نتيجتها استهداف المدونين والصحفيين والناشطين الحقوقيين من قبل سلطات إنفاذ القانون. ومما يثير التناقض، أنه في ظل هذا النظام اعتمدت الحكومة التونسية القانون الأساسي رقم 63 المؤرخ 27 جويلية 2004 بشأن حماية المعطيات الشخصية.

وبموجب هذا القانون أُنشأت الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية (INPDP)، والتي بدأت العمل بالإشراف على إنفاذ الإطار القانوني لحماية المعطيات الشخصية في عام 2009. ومع ذلك، فقد كان هناك تباين واختلاف ملحوظ بين النص القانوني وتطبيقه وفقا لإحصاءات الهيئة الوطنية لحماية المعطيات في الفترة بين 2009-2015، الأمر الذي شكل تحدياً في احترام القانون لعملية معالجة المعطيات الشخصية.

في عام 2014، وبعد سقوط نظام الرئيس السابق بن علي، سنّت الجمهورية التونسية الدستور التونسيّ الجديد، والذي يتماشى مع حقوق الإنسان الأساسية ويتبع مبادئ الفصل بين السلطات الثلاث. حيث وسّع الدستور الجديد الحق في حماية المعطيات الشخصية بإضافة الحق في الخصوصية كحق أساسي تحميه الدولة بموجب المادة 24. وعلى غرار ذلك، يمكن وصف القانون المتعلق بحماية المعطيات الشخصية والمطبق حالياً بالمنقوص لعدم مواكبته للتطورات التكنولوجية الحديثة. الأمر الذي أثار مخاوف على مستوى المجتمع المدني محلياً.

موقف منظمات المجتمع المدني بخصوص مسار مشروع القانون

في 3 ماي 2018، أدانت مجموعة من الجمعيات في المجتمع المدني، في بيان لها، مساس مشروع القانون بمبدأ الشفافية والنفاذ إلى المعلومة الذين يضمنها الدستور التونسي ويلزم الدولة بحمايتها (الفصل 32 من الدستور) وذلك بدءا بتعريفه للمعطيات الشخصية التي لم تتضمّن التفرقة بين الحياة الخاصّة والحياة العامّة. كما استنكرت مخالفة الحكومة للقانون عدد 22 لسنة 2016 المتعلق بالنفاذ إلى المعلومة الذي ينص في فصله 38 على وجوب إبداء هيئة النفاذ إلى المعلومة رأيها في مشاريع القوانين والنصوص الترتيبية ذات العلاقة بمجال النفاذ إلى المعلومة، وهو ما لم يتم عند صياغة هذا المشروع. ثم طالب المجتمع المدني اللجنة المعنية بتمكينه وكلّ من يتقدّم بطلب من جلسة استماع علنية لتقديم مقترحاته وملاحظاته تكريسا لمبدأ التشاركية في صياغة القوانين الأساسية في مسار الانتقال الديمقراطي بعد الثورة.

مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية في ضوء حق النفاذ إلى المعلومة 2018 – 2019:

بالرجوع إلى مشروع القانون المتعلق بحماية المعطيات الشخصية وتحديداً مسألة الموازنة بين الحق في النفاذ إلى المعطيات العمومية أو التي تتعلق بالشأن العام من جهة والحق في حماية المعطيات الشخصية الخاصة بالأفراد من جهة أخرى، نجد أنّ النص القانوني لم يحقق الموازنة بين كلا الحقيين. إذ لم يتم إدراج استثناء يتعلق بالنفاذ إلى المعلومات العمومية وهو ما خلق نوع من الالتباس والخلط في تطبيق كلا الحقين. على إثر ذلك، ولغايات معالجة أوجه القصور بخصوص المتعلقة بمشروع القانون، عقدت كل من منظمة اكسس ناو واليونسكو حدثًا بعنوان «مشروع قانون حماية البيانات في ضوء حق النفاذ إلى المعلومة» في نوفمبر 2018.

تضمن الحدث مشاركة مختلف الأطراف بما فيهم ممثلين عن المجتمع المدني وأعضاء مجلس نواب الشعب ورؤساء الهيئات المستقلة وخبراء من البلدان المجاورة للمشاركة في مناقشة وحوار مثريّ حول تقييم مسألة حماية المعطيات الشخصية في تونس. كما أكد المتحدثون على أهمية تحقيق تعاون مشترك بين عناصر المجتمع المدني والهيئات المستقلة، بما في ذلك الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية وهيئة النفاذ إلى المعلومة.

غموض في التوصيات والمقترحات المتعلقة بتعديل مشروع القانون

لعلّ أهم التساؤلات التي قد تثار في هذه المرحلة ما يتعلق بدور الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية في تصحيح هذا المسار عبر المشاركة بتقديم مقترحات وتعديلات من طرفها، وعرضها لاحقاً على لجنة الحقوق والحريات لضمان تماشي مشروع القانون مع الحقوق والحريات الأساسية. ومع ذلك، تقدمت الهيئة بمقترحاتها ولكن دون تمكين الأطراف والجهات الأخرى من الإطلاع على هذه التعديلات، على الرغم من مختلف الجهود المبذولة من قبل جمعية اكسس ناو للوصول والإطلاع على المقترحات والتأكد من تمرير القانون بما يتوافق مع رؤية مختلف الأطراف في المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، وبالرجوع والاستناد إلى دستور الجمهورية التونسية لعام 2014، فإن الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية تعد هيئة مستقلة مسؤولة عن العمل بمبادئ الشفافية والمساءلة، حيث تعتمد الأخيرة على المشاركة المدنية. 

نعبّر في اكسس ناو وإستناداً إلى ما عمل به في السابق من تجارب مع هيئة حماية المعطيات الشخصية، عن استيائنا وقلقنا اتجاه طريقة تعامل الهيئة مع جميع أطراف المجتمع المدني من إقصاء كلي حول مشروع هذا القانون. الأمر الذي يعني أيضًا أنه ينبغي على الهيئة أن تعمل بالتعاون جنباً إلى جنب مع منظمات المجتمع المدني. حيث، أثارت عملية الشروع بتمرير مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية المعدّل، الذي تشتد الحاجة إليه بالفعل، مخاوفاً حقيقية بشأن الطريقة التي تعمل بها الهيئة في الوقت الحالي.

ما أهمية مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية في إنتخابات 2019 ؟

في مشهد سياسي متوتر، تعيش تونس تحدي إنتخابات رئاسية في الشهر القادم. فهل تنجح في تنفيذها دون السقوط في سيناريوهات سابقة ؟

إبتداءً من الرسائل السياسية القصيرة وصولاً إلى البريد الإلكتروني، هكذا استغلت الكثير من الأطراف في الإنتخابات السابقة المعطيات الشخصية للمواطنين في تونس. وأبرز مثال على ذلك هو قضية التزكيات في الإنتخابات الرئيسية لسنة 2014 حيث تم إدراج أسماء مواطنين تونسيين في قائمة تزكيات رغم عدم قيامهم بتزكية أي مترشح للإنتخابات. الأمر لا يقتصر فقط على هذه الخدمات و إنما يمتد أيضاً إلى وسائل التواصل الإجتماعي وأبرز مثال على ذلك ما يحصل حالياً على الفيسبوك، حيث يتم من خلاله استهداف المستخدمين عن طريق صفحات تقوم بتغيير اسمها فجأةً لموالاة وإعلان انتمائها إلى حزب معين، ولعلّ مثال الكامبريدج أناليتيكا هو أبرز واقعة على ذلك.

لكن ما يجدر ذكره هنا هو أنه على الرغم من مناقشة لجنة الحقوق والحريات مشروع القانون في دورتها الحالية، الاّ أنّ مخرجات النقاش لم تكن فعالّة نظراً لضيق الوقت، وعدم استشارة أطراف المجتمع المدني وبالتالي تأجيل النظر في مشروع القانون للمرة الثالثة على التوالي. فهل من ضمانات كافية من شأنها حماية المواطن التونسي من إختراق معطياته الشخصية ؟

تطالب اكسس ناو لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية في مجلس نواب الشعب بنشر نسخة محينة عن مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية وذلك لتمكين مختلف أطراف المجتمع المدني بمواكبة ما يحصل بخصوص هذا المشروع. كما تدعو بوضع المشروع كأولوية قصوى قبيل الإنتخابات الرئيسية والبرلمانية.