Read in English
لم تنطلق هذه السنة في بدايتها على نحو جيّد في تونس. ففي اليوم الذي تحيي فيه تونس الذكرى العاشرة للثورة التي توافق يوم 14 جانفي، خرج المئات من الشباب/ات التونسيين/ات إلى الشوارع، خاصة من المناطق المهمّشة والأحياء الشعبية، احتجاجا على الفقر وانعدام المساواة الاقتصادية والاجتماعية و تنديدا بالعنف والقمع البوليسي. وقد واجهت الحكومة هذه الاحتجاجات بقبضة حديدية وهو تصرّف وحشي نُدينه بشدّة.
استعملت قوات الشرطة التونسية القوة الفتّاكة في وجه المتظاهرين/ات الذين كان معظمهم من الطلاب/ات والمراهقين/ات، وهو ما أدّى في نهاية المطاف إلى وفاة أحدهم بشكل مأساوي. كما تم اعتقال ما يقارب 1500 من المتظاهرين/ات بصفة تعسّفية لمجرّد التحاقهم/ن بالاحتجاجات أو بسبب التعبير على آرائهم/ن عبر الإنترنت. وقام عدد من أعضاء قوات الأمن بتشويه صورة الناشطات ومشاركة المعلومات الشخصية الخاصة بهنّ ونشرها على منصات مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى الاتصال بأسرهنّ بهدف إلحاق العار بهن فضلا عن قيامهم بالإفصاح قسرا عن هوية الناشطين الكويريين وأفراد مجتمع الميم لدى أسرهم/ن وعلى الملأ. وقالت إحدى الناشطات في تصريح مخيف عن المضايقات التي يتعرضن لها النساء، بأن قوات الأمن قد شاركت عبر منصات التواصل الاجتماعي رقم هاتفها وعنوان إقامتها وعنوان روضة الأطفال التي يرتادها ابنها، وأضافت أنّها قد تعرّضت للشتم وتلقّت تهديدات بالإغتصاب فضلا عن المضايقة التي عاشتها من خلال المكالمات الهاتفية التي تلقتها دون انقطاع حتى الساعة الثالثة فجراً.
إن مثل هذه الممارسات القمعية لهذه الاحتجاجات تُعيدنا إلى الذكريات المؤلمة في الوقت التي كانت فيه تونس دولة بوليسية، وقد بدأنا بمتابعة مسار الانتقال الديمقراطي في تونس منذ الثورة وهو مسار وعر ولكنّه لا يزال سلميّا إلى حد الآن. وينبغي على الحكومة التونسية أن تعتبر الأحداث الجارية كإنذار صارخ لما هو على المحك نتيجة لقمع الشعب.
ومع حلول السنة الجديدة، فقد قرّرنا في البداية أن نشارك جدول الأولويات والأجندة المتعلقة بالسياسة الرقمية في تونس، ولكن التصعيد الذي شهدته البلاد مؤخّرا أعادنا إلى التركيز على الأساسيات وهي: حرية التعبير والخصوصية.
وفي ظل هذه الأوقات العصيبة، فإننا نحثّ الحكومة التونسية والمشرّعين بشدّة على:
الإنهاء الفوري للملاحقات في حق مستخدمي الإنترنت التونسيين/ات وحماية الحق في حرية التعبير
كانت حرّية التعبير أحد أهم مكاسب الثورة التونسية. وفي حين لا يزال الكثيرون على نطاق واسع يعتبرون أن تونس هي قصة النجاح الوحيدة المتبقية من الربيع العربي، فإن الحكومة قد شدّدت الخِناق على الناشطين/ات والمدوّنين/ات والصحافيين/ات وأي شخص آخر ينتقد الحكومة أو يعبّر عن آرائه عبر الإنترنت. أقدمت الحكومة وقوات الأمن على اعتماد القمع بشكل متزايد مع اتّخاذ إجراءات صارمة ضد المتظاهرين/ات السلميين/ات والمعارضين السياسين وكذلك الصحفيين/ات. وأثناء الاحتجاجات التي شهدها شهر جانفي، عمدت الشرطة إلى استخدام القوة المُفرطة، بما في ذلك إطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين/ات مما أدّى إلى مصرع أحد المحتجّين الذي كان يبلغ من العمر 21 سنة إلى جانب إصابة شخص آخر بسبب ضربه بعبوات الغاز.
وقد أحصت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان اعتقال ما يقارب 1500 من المتظاهرين/ات من قبل السلطات التونسية بصفة تعسّفية على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات أو بسبب تدوينات نشروها على منصات التواصل الاجتماعي، ومثّل الأطفال دون سن 18 حوالي 30% من جملة المعتقلين/ات. الأمر الذي يعد تصعيدا لاتجاه مستمر قائم على استهداف المدونين والمعارضين الذين ينتقدون الموظّفين الحكوميين أو الشرطة أو قوات الأمن عبر الإنترنت وملاحقتهم/ن جنائيا بتهمة “التحريض على العنف” و”إهانة موظّف حكومي أثناء أدائه لعمله” و”الإخلال بالآداب العامة”. وقد قوبل طلب العديد منهم بالرفض عند طلب الحصول على مساعدة قانونية وطبية، منهم على سبيل المثال حمزة نصري والناشط الحقوقي أحمد غرام وغيرهم .
كما ساهم أعضاء مجلس نواب الشعب أيضا في تكميم أفواه المدافعين/ات عن حقوق الإنسان والصحفيين/ات عبر تجريم حرية التعبير وإعطاء الأولوية للنظر في القوانين والتشريعات التي تُشكّل تهديدا للحقوق والحريات الأساسية وتلك التي تحدّ من إمكانية الوصول إلى المعلومات، ومن بينها مشروع قانون مكافحة الأخبار الزائفة ومشروع قانون حالة الطوارئ ومشروع قانون حماية الأمنيين (سابقا، مشروع قانون زجر الاعتداء على الأمنيين) والتعديلات على اللوائح التنظيمية لوسائل الإعلام الإذاعية والتلفزيونية، وغيرها.
عمل الدستور التونسي لسنة 2014 على ترسيخ حرية التعبير وإبداء الرأي، ومع ذلك، لم يتم إدخال أي إصلاحات على الكثير من القوانين التعسّفية الموروثة من عهد بن علي، بل تم استخدامها في ملاحقة الخطابات المنشورة على الإنترنت. إذ يجب على البرلمان التونسي أن يعمل على إصلاح القوانين والأحكام التي عفا عليها الزمن خاصة منها تلك الواردة في المجلة الجزائية ومجلة الصحافة ومجلة الاتصالات عوضا عن طرح القوانين الجدليّة والقمعيّة.
ضمان الخصوصية واعتماد قانون مُحكَم لحماية البيانات الشخصية
لطالما طالبنا البرلمان التونسي منذ سنوات بإصلاح قانون حماية المعطيات الشخصية، وهو القانون رقم 63 لسنة 2004 الخاص بحماية المعطيات الشخصية، والذي يعود تاريخ تمريره الى عهد الرئيس السابق بن علي. صادق مجلس الوزراء رسميا، في خطوة إيجابية منه، على مشروع قانون حماية المعطيات الذي تم تعديله في سنة 2018 وبادر بإحالته إلى لجنة الحقوق والحريات صلب البرلمان، نظراً لازدياد الوعي بالتأثير المحتمل لتشريعات حماية البيانات الشخصية على الحقوق والحريات الأساسية. تابعنا في أكسس ناو جميع التطورات المتعلقة بمشروع القانون الأخير.
كما بادرنا في سنة 2018 أيضا بتقديم مقترح مشترك من قبل مختلف الأطراف المعنيّة بما فيها منظمات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع العام والقطاع الخاص، وشاركنا في جلسات الاستماع أمام لجنة الحقوق والحريات لتقديم تعليقاتنا وتوضيح مخاوفنا بشأن مشروع القانون. ومع انتخاب أعضاء جدد في هذه اللجنة كل سنة، يؤسفنا أن نرى أن اللجنة المنتخبة حديثا لم تأخذ نتائج هذه الجلسات بعين الاعتبار.
منذ ذلك الحين، التزم البرلمان الصمت حيال هذه المسألة. وفي غضون ذلك، استعانت السلطات التونسية بتقنيات جديدة تعتمد على جمع المعلومات الشخصية للمواطنين/ات التونسيين/ات واستخادمها دون أن توفِّر ضمانات متينة وكافية فيما يتعلّق بالخصوصية وحماية البيانات الشخصية. ويبقى مشروع قانون حماية المعطيات في مرتبة متدنّية في سلّم أولويات أعضاء مجلس النواب على الرغم من الحاجة المُلحّة لاعتماد قانون شامل بما يضمن إنفاذه بشكل سليم خاصة في أعقاب الانتهاكات الأخيرة والتجاوزات الناتجة عن إساءة استخدام البيانات الشخصية للمواطنين خلال أحداث مختلفة مثل مسألة تزوير التزكيات للمترشحين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لسنة 2019.
يُشير عدم إحراز أي تقدم وانعدام اتخاذ تدابير ملموسة لتعديل مشروع القانون الحالي إلى غياب الالتزام والرغبة لدى المشرّعين في وضع حد للانتهاكات الراهنة المتعلّقة بالبيانات الشخصية وتوفير ضمانات تكفل الحق في الخصوصية.
يكفل الدستور التونسي الحق في الخصوصية، وقد جدّد البرلمان التونسي في سنة 2017 التزامه بحماية البيانات الشخصية من خلال المصادقة بالإجماع على اتفاقية مجلس أوروبا لحماية الأفراد فيما يتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات الشخصية (الاتفاقية عدد 108)، وبروتوكولها الإضافي عدد 181- وهي المعاهدة الدولية الوحيدة المُلزمة بموجب القانون لحماية البيانات على مستوى العالم.
من أجل حماية الديمقراطية، يتوجب على تونس أن تركز على وضع القوانين المتمحورة حول المستخدم والتي تكفل الحقوق والحريات على سلّم أولوياتها.
تبقى تونس دولة ذات إمكانات هائلة للدفاع عن حقوق الشعب وحرياته في هذا العصر الرقمي. وفي سعيها للقيام بذلك، يجب عليها أن تدعم الحقوق الأساسية للمواطنين/ات التونسيين/ات ومستخدمي/ات الإنترنت على النحو المنصوص عليه في دستورها وبشكل يفي بالتزاماتها باعتبارها مُوقّعة على الاتفاقيات الدولية بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي صادقت عليه في سنة 1969.
أما عن أفاق المضي قدما، سنواصل مناصرة السياسات الرقمية التي تحترم الحقوق وتتمحور حول المستخدم في تونس، كما سنعمل على ضمان ممارسة المواطنين التونسيين لحقوقهم في كنف الحرية والأمان عبر شبكة الإنترنت.