Read the English version here.
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته. ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات”. لذلك فإنه منذ فترة طويلة تم الاعتراف بالحق في الخصوصية كحق أساسي من حقوق الإنسان ولكن للأسف، ليس هذا هو الحال في معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تميل الحكومات في المنطقة إلى التعامل مع الأطر القانونية المتعلقة بخصوصية البيانات وحمايتها على أنها ليست أولوية عند مقارنتها بقوانين مكافحة الإرهاب التي يمكن أن تثير مخاوف ملموسة لعامة الشعوب.
ومع ذلك، فإن اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي (GDPR) تقود التغيير في جميع أنحاء العالم في مجال الخصوصية بصفة عامة، وبتحفيز المبادرات الإيجابية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بصفة خاصة. حيث أنه في بعض الحالات، يطور المشرعون في المنطقة قوانين حماية البيانات المحلية التي تتبع خطى اللائحة العامة لحماية البيانات. فيما يلي نسلط الضوء على بعض المبادرات التي قامت بها كل من تونس، الأردن ومصر في مجال حماية البيانات كما نؤكد على ضرورة تنفيذ أطر شاملة لحماية البيانات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحول العالم.
تونس: حماية المعطيات الشخصية أولوية أيضاً!
نظراً إلى المشهد السياسي المتوتر في تونس، فإن المعطيات الشخصية للتونسيين، وخاصة تلك الموجودة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، معرضة للخطر ويمكن استغلالها بطرق لا يصعب التنبؤ بها. حيث لا يوفر قانون حماية المعطيات الشخصية الحالي (القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004) ضمانات كافية لحماية البيانات، كما انه لا يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وبالرغم من وجود مشروع قانون لمعالجة هذه الثغرة إلا أن تمريره لم يكن أولوية وفق برنامج لجنة الحقوق والحريات. و سبق أن عبّرت اكسس ناو، إلى جانب العديد من منظمات المجتمع المدني المحلية و الدولية، عن مخاوفها تجاه وضعية المشروع وأبرزت أوجه القصور الكبيرة في مشروع القانون التي يمكن أن تحد من الحريات الأساسية، مثل الحق في حرية التعبير والحق في النفاذ إلى المعلومات. واليوم وبمناسبة الإحتفال باليوم العالمي لحماية البيانات، تذكر جمعية اكسس ناو بضرورة وضع المشروع كأولوية قصوى في مجلس النواب.
الأردن: يجب أن تكون هيئة حماية البيانات مستقلة
في عام 2014، قدمت وزارة تكنولوجيا المعلومات الاقتصاد الرقمي الأردنية مشروع قانون يتعلق بحماية البيانات. و يبدو أن مشروع القانون يستند عمومًا إلى اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR). ومع ذلك، أعربت منظمات المجتمع المدني المحلية عن قلقها إزاء المسودة خاصة فيما يتعلق بعدم استقلالية هيئة الخصوصية الأردنية حيث ترأسها وتشرف عليها مباشرة وزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على شرعية مثل هذه الهيئات وقدرتها على العمل بطريقة محايدة. كان من المفروض التصويت على هذا المشروع ومناقشته مع نهاية سنة 2019 ولكن حتى الآن، ليس من الواضح متى سيتخذ البرلمان اجراءات وخطوات للتصويت على هذا القانون أو إن كان سيتم تعديل بعض نصوصه.
مصر: وجوب مراجعة الثغرات واستشارة المجتمع المدني
وافق مجلس النواب المصري مؤخراً، من حيث المبدأ، على مشروع قانون حماية البيانات و الذي يعتبر الأول من نوعه. سيؤسس القانون الجديد مركزًا لحماية البيانات الشخصية يقوم بوضع السياسات واللوائح المتعلقة ببيانات المصريين. تعتبر هذه المبادرة خطوة هامة إلى الأمام لضمان حماية بيانات المصريين. ومع ذلك، تحتوي المسودة على نقاط قصور، مثل وضع البنك المركزي المصري (CBE) والكيانات الأخرى المماثلة خارج نطاق القانون للإشراف عليه و غيرها من النقاط التي تتطلب المزيد من النقاش و الأخذ بعين الإعتبار. كان من المتوقع أن يتم نشر القانون رسميًا بحلول نهاية عام 2019. و لكن، لم يتم نشر النسخة النهائية للمشروع بعد. إضافة إلى ذلك، لم يتم استشارة المجتمع المدني في صياغة أو مراجعة مشروع هذا القانون.
اليكم خمسة أسباب تجعل حماية البيانات أمرًا ضروريًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (والعالم):
1-حماية البيانات تعزز مفهوم الديمقراطية: إن وجود قانون شامل لحماية البيانات لن يعزز الثقة على المستوى الوطني من حيث المعاملة واحترام حقوق الإنسان فحسب، بل سيكون أيضًا أحد الركائز الرئيسية في عملية الانتقال الديمقراطي للبلدان التي تعيش انتفاضات أو توتر سياسي.
2-حماية البيانات تعزز النمو الاقتصادي: بالنسبة لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا و التي لها تبعية بأكثر من 50٪ من اقتصادها بالاتحاد الأوروبي، ستمكّنها إجراءات حماية قوية لحماية البيانات من الانضمام إلى البلدان التي تقدم بالفعل الثقة في معالجة البيانات الشخصية للأوروبيين. مما سيعزز تسهيل جلب المستثمر لهاته البلدان يعزز العلاقات بين الشركات المحلية ونظيراتها الأوروبية.
3-حماية البيانات تساعد على المزيد من الشفافية خلال الانتخابات: تنظيم الإنتخابات (تشريعية كانت أم رئاسية) في أي بلد في العالم دون ضمان الحريات الأساسية، مثل الحق في الخصوصية وحماية البيانات، يشكل تهديدًا مباشرًا لشفافية وشرعية نتائج الانتخابات. نحن نرى عواقب جمع البيانات والتلاعب المستهدف للناخبين على مستوى العالم، ولعل أبرز مثال على ذلك هو حادثة كامبريدج أناليتكا التي أثرت مباشرة على انتخابات الولايات المتحدة عام 2016. لذلك من الضروري والعاجل أن تضع بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمانات لخصوصية البيانات.
4– حماية البيانات يساهم في الحفاظ على أمان الأشخاص في العصر الرقمي: في العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، توجد قواعد للخصوصية، لكنها مع الأسف لا تتوافق مع البيئة الرقمية الحالية و التطور التكنولوجي السريع التي يشهده العالم، تتميز هذه القوانين مجملاً بعدم معالجة القضايا المتعلقة بكل ما يحدث على الإنترنت. لذلك تؤكد اكسس ناو على ضرورة تحيين هذي النصوص القانونية وذلك لتوفير أطر يمكن أن تحمي وتساعد في تخفيف مخاطر التطور الرقمي، كالملاحقة الإلكترونية أو سرقة الهوية وغيره من المخاطر.
5–حماية البيانات يمكن أن تزيد من الأمن السيبراني: يمكن لإطار قانوني متين لحماية البيانات أن يقلل من تأثير الهجمات الإلكترونية. على سبيل المثال لو تمكن مهاجمون من الوصول إلى قاعدة بيانات، في شركة متوافقة مع اللائحة العامة لحماية البيانات، فإنهم سيجدون أقل بيانات ممكنة للسرقة والاستغلال. كما أن المؤسسات الحكومية الملزمة بالمثل بحماية بيانات الأشخاص ستكون أقل عرضة للتأثير السلبي للقرصنة وعرض البيانات.
ستستمر اكسس ناو في الدعوة إلى تشريع أطر قانونية مناسبة ومواكبة لما يحصل في العالم الرقمي وذلك لضمان حماية البيانات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي جميع أنحاء العالم، كما تعرب عن استعدادها لتقديم يد العون لصانعي السياسات الذين يساهمون في تطوير هذه الأطر.