على مدى السنوات القليلة الماضية، قامت معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بسن أو تحديث قوانين جرائم الإنترنت الحالية كجزء من جهودها لمعالجة ما يُعترف بالتهديد الأمني المتزايد. وقد أدى صعود استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية إلى توفير منصة للأفراد للتعبير عن آرائهم ومشاركة حياتهم على الإنترنت حيث أصبح استخدام هذه المنصات جانباً لا مفر منه في الحياة اليومية.
تعتبر هذه القوانين العدو الأول للصحافيين والمدونين النقاد فهي تضع عملهم تحت رقابة شاملة من قبل السلطات، كما هو المثال في السعودية، ففي غرة جانفي 2019، قامت السلطات بالاعتراض على محتوى في موقع نتفليكس يشمل كوميدي معروف من الولايات المتحدة الأمريكية مسلم من أصول هندية له برنامج ساخر تحت عنوان “باتريوت آكت (Patriot Act)” ينتقد فيه الحياة السياسية لبعض الدول منها السعودية.
دار البرنامج عموماً حول حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي حيث إنتقد الكوميدي حسن منهاج الملك محمد بن سلمان حول ما حدث داخل القنصلية في إسطنبول وتم نشر الحلقة في 28 أكتوبر، 2018.
وفقاً لتصريح أدلت به شركة نتفليكس فإن سحب هذه الحلقة كان ملزماً نظراً لانتهاكه الفصل 6 من قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في السعودية لسنة 2007 والتي تنص على أنّ “أي إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي” يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بخطية مالية ويمكن أن تصل إلى السجن. كما يمكن لهذه الحادثة أن يتم إدراجها إلى نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله حيث ينص الفصل 30 على أن “كل مَن وصف – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – الملك أو ولي العهد بأي وصف يطعن في الدين أو العدالة” هو كمَن يرتكب عملاً إرهابياً عقوبته السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
وأدلت وفاء بن حسين مديرة فرع أكساس ناو لشمال إفريقيا والشرق الأوسط أن”سحب هذه الحلقة من نتفليكس هو أمر مسيء للمشاهدين السعوديين فهو انتهاك مباشر لحرية التعبير. كما أنه تضييق على ما يحصل عليه السعوديين من محتوى على الإنترنت. و طلب الحكومة السعودية فرض رقابة على الحلقة وامتثال نتفليكس لن يؤدي إلا إلى جعل مشاهدة الحلقة أكثر شعبية.“
للمملكة العربية السعودية تاريخ طويل من الرقابة لم يقتصر على نتفليكس فقط، وانما شمل أيضاً انتهاكات متعددة لحقوق الإنسان حيث تم اعتقال عدد كبير من الناشطين في الآونة الأخيرة معظمها ضد نشطاء حقوق المرأة. وأعلنت وسائل الإعلام الرسمية آنذاك أن ستة ناشطين على الأقل قد اتهموا بتشكيل مجموعة يُزعم أنها تمثل تهديدًا لأمن الدولة “للتواصل مع أطراف خارجية لتقويض أمن واستقرار المملكة العربية السعودية ونسيجها الاجتماعي”. تم إنشاء هاشتاج لتقويض النشطاء بشكل أكبر، وتشويه سمعتهم، وتهديد سلامتهم، وتخوينهم على اعتبار أنهم #عملاء_للسفارات.
ما يمكن الخروج به من حادثة نتفليكس، هو تأكيد الضغط الذي يمكن أن تواجهه شركات التكنولوجيا والتقنيات سوأً كانت عالمية أو محلية، وسط اتجاه عالمي يسير نحو الاستبداد والقمع الرقمي. إضافة إلى ذلك، فإن جعل هذه الحلقة غير متوفرة في المملكة العربية السعودية، تجعل من نتفليكس شريكة في تعزيز الرقابة المنتشرة التي طالما تعامل معها الصحفيين الناشطين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. مع العلم أن محتوى برنامج “باتريوت آكت” مازال من الممكن مشاهدته على منصات اخرى مثل مواقع التواصل الإجتماعي أو يوتيوب مما يجعل هذه السياسات منتهية الصلوحية.
وقد أضاف بيتر مايساك، المستشار العام لأكساس ناو: “في حين أن الحكومة السعودية هي التي تمسك بالقلم على قانون الرقابة والحجب، إلا أن القائم بتنفيذ الأمر في هذه الحالة هو شركة نتفليكس. لذلك يجب على الشركات مثل نتفليكس وغيرها أن تحترم حقوق الإنسان بغض النظر عن موقعها الجغرافي، كما اننا نتوقع أن تدعم شركة نتفليكس مستخدميها كما أنه من الضروري على الشركة أن تكشف عن سياساتها بشأن التعامل مع الطلبات الحكومية لمراقبة المحتوى والكشف عن بيانات المستخدم. نحن نؤمن بأن نتفليكس لها القدرة على تكريس مبدأ الشفافية حول الحقوق الرقمية، ولكن للأسف في الوقت الحالي، لا تزال الأمور غير واضحة”.